آخر تحديث: الاثنين 9 تشرين الثاني 2020 - 02:16 PM إتصل بنا . خريطة الموقع . ابحث:




أرشيف

أخبار التجدد حوار مختارات أخبار يومية

فرنجية لـ"الجمهورية": لـ"كتلة سياسية تحمل اتّفاق الطائف"

الجمعة 31 آب 2012

*هل ترى أنّ اتفاق الطائف لا يزال قابلاً للتطبيق؟

- يجمع اتفاق الطائف بين بُعدين: بُعد المواطنة وبُعد التعددية، وبالتالي في منطقة يوجد فيها هذا القدر من التعددية، وأنا أقصد هنا منطقة المشرق العربي وصولاً إلى البحرين والكويت، فإنّ الصيغة المثالية تكمن في التوفيق ما بين هذين البعدين. فاتّفاق الطائف هو الاتّفاق الأوّل في هذا الاتّجاه. وفي هذا الإطار، لفت انتباهي إلى أنّ الصادق المهدي، وإزاء انقسام السودان، إقترح ضرورة وضع "اتّفاق طائف" للسودان. وبتقديري لو وُضع هذا الاتّفاق لما كان وصل السودان إلى ما وصل إليه. وهذا البُعد بنظري مهمّ جداً. ومن هنا، إنّ الجمع ما بين هذين البُعدين يسمح بفهم جديد للديموقراطية.

فالديموقراطية لم تكُن يوماً إلغائية، وبالتالي لا يجب أن نأخذ فقط في الاعتبار الإنسان - الفرد، كما هو الحال في فرنسا، بل يجب أن نأخذه في البُعدين أو في أبعاده كلها، أي انّ هناك بُعدَ مواطنة عند كل إنسان وهو الأساس، وإنّ هناك أيضاً بُعداً طائفياً ومحلياً وآخر مرتبطاً بموقعه وبعملية الإنتاج. وقد حاول اتّفاق الطائف أن يُحدّد مساحة التعبير لكلّ بُعد من هذه الأبعاد، وبالتالي تكمن أهميته أنّه لا يلغي أي بُعد من أبعاد الإنسان.

ما هي العوامل التي حالت دون تطبيق هذه الأبعاد؟

في العام 1943، حين وُقّع الميثاق الوطني، رعته كتلة سياسية مكوّنة من أركان الاستقلال، وقد شُكّلت في هذا الإطار، ثقافة لهذا الميثاق، وأدّى دوراً هاماً فيها كلٌّ من ميشال أسمر وميشال شيحا، إضافة إلى أسماء أخرى كبيرة، فيما اتّفاق الطائف وُلد يتيماً، إذ لم تُشكَّل كتلة سياسية تحمل اتفاق الطائف ولم تشكّل ثقافة لهذا الميثاق.

وبالتالي، نسمع، من حين إلى آخر، طروحات تريد إعادة النظر بهذا الاتفاق، وعلى سبيل المثال طرح السيد حسن نصرالله لمؤتمر تأسيسي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى طرح بعض القيادات المسيحية إعادة وضع ميثاق وطني جديد أو تعديل اتفاق الطائف، أي العودة إلى ما قبل هذا الاتفاق. ولكن لم يظهر حتى اليوم، ويا للأسف، مَن يشرح ما هو اتفاق الطائف ومدى أهميته وما هي كلفة التراجع عنه.

فعندما يتحدّث المسيحي مثلاً عن صلاحيات رئيس الجمهورية، أقول له: ماذا تقول للمسلم عندما يتكلم عن المناصفة؟ ففي حال أقدمنا على فتح باب الاجتهاد لن نعود قادرين على إقفاله.

* ما هي الظروف الموضوعية التي تسمح بتطبيقه؟

- وُقّع هذا الاتّفاق على رغم معارضة النظام السوري له عام 1989، وإزاء فشله بمنع توقيعه قتل أوّل رئيس انتخب على قاعدة هذا الاتفاق، ومن ثمّ عمَد إلى الإشراف على تطبيقه بشكل مشوّه وصولاً إلى إظهار اللبنانيين عاجزين عن حكم أنفسهم وأنّهم في حاجة إلى وصاية دائمة.

ولم يفهم بعض المسيحيين، وتحديداً العماد ميشال عون، وذلك لأغراض سياسية وسلطوية، أنّ الحرب انتهت، وبالتالي أفسحوا في المجال أمام السوريين بنسف الاتّفاق. وهذه هي الجريمة التي ارتكبت في حقّ هذا الاتّفاق لبنانيّاً، ففي ذلك الوقت، اعترض كثيرون على الطائف، وهم: حركة أمل والحزب الاشتراكي وحزب الله. ولكنّ مَن انقلب على الاتّفاق بعد توقيعه وسمح للسوريين بالقضاء على هذه اللحظة كان العماد ميشال عون.

ومن بعدها دخلنا مرحلة الوصاية السورية حتى العام 2005، ومنذ الخروج السوري من لبنان نعيش في مرحلة صراع، واليوم أصبحنا على وشك الحسم بسبب انهيار الوضع السوري، هذا الانهيار الذي سيجعل الظروف أكثر ملائمة لتطبيق اتّفاق الطائف.

* كيف السبيل إلى تحويل هذا الاتّفاق إلى اتّفاق شعبي في ظلّ حاضنة لبنانية؟

- إنّ البيئة الحاضنة تتلخّص اليوم بكل مَن يعطي أولوية لبناء السلام اللبناني الدائم. فاللبنانيون، وإلى أيّ طائفة انتمَوا، يرفضون الاعتراف بأنّنا جميعاً نتحمّل مسؤولية تجربة العقود الأربعة من القتال، ولكن لا بدّ من الإقرار بأنّنا جميعا أخطأنا على مراحل حيال البلد، وبالتالي المطلوب العودة إلى شيء يجمع، وهو بالتحديد اتّفاق الطائف بعيداً عن الحسابات السياسية الضيقة، إذ لم يعُد مقبولاً تأسيس السياسة على القواعد نفسها التي كنّا نتّبعها سابقاً.

فعندما يعطي الربيع العربي الأولويّة للفرد على المجموعة، فذلك يعني أنّ العالم العربي أصبح اليوم في حاجة إلى أفراد وليس إلى جماعات فقط، وبالتالي لم يعُد بإمكاننا اختصار لبنان بـ 4 أو 5 أشخاص يتكلمون باسم جماعات.

صحيح أنّ الجماعات موجودة ولها دور، ولكن على السياسة أن تتأسس على فكرة الإنسان. والربيع العربي سبقنا، فعندما أصبح العالم العربي يشبه لبنان، صار لبنان يتشبّه بماضي هذا العالم وليس بحاضره أو مستقبله.

لذا، فإنّ هذه الكتلة التاريخية يجب أن تحمل اتّفاق الطائف وتكون البيئة الحاضنة له وتقوم ببناء السلام بعد سقوط النظام السوري الذي لعب على امتداد النصف قرن الدور الرئيسي في تفجير البلد وتناقضاته وحال دون التلاقي بين اللبنانيين وممارسة الإرهاب.

* هل الكتلة التاريخية هي 14 آذار؟ وهل يمكن أن تتوسّع لتشمل فئات أخرى من اللبنانيين؟

- بتقديري، إنّ كلّ مَن يحمل مشروع سلام للبنان يشكّل جزءاً من هذه الكتلة التاريخية، وخصوصاً أنّ أفراد 14 آذار لا يعون جميعهم أهمّية هذا الشعار، وبالمقابل فإنّ أفراداً غير منتمين لـ14 آذار مخوّلون الانضمام إلى هذه الكتلة التاريخية، التي ليست محكومة باعتبارات سياسية بل بتوجّه معيّن. وكلّ مَن يحمل هذا التوجّه يكون شريكاً أساسيّاً فيها.

* هل يمكن المزاوجة بين البُعدين الفردي والجماعاتي؟

- لقد تحدّث اتّفاق الطائف عن المجلس النيابي المحرّر من القيد الطائفي وفي الوقت نفسه عن مجلس الشيوخ، وبالتالي طرح البُعدين وأعطاهما مجالات للتعبير عن المزاوجة، ولكنّ ما حصل هو أنّ جانباً طغى على الآخر، أيّ أنّنا باسم الطوائف، ألغينا المواطن، وباسم الطوائف لم نعُد ننظر إلى الإنسان كفرد. فالعماد عون يقول إنّه يتكلم باسم المسيحيين، فيما لا أذكر أنّني أعطيته تفويضاً للتكلم باسمي، وفي الوقت عينه لا قدرة لي على محاسبته، إذ إنّه لم يطلب رأيي بالتمثيل. هذا في البُعد السيّئ.

أمّا من حيث البُعد الإيجابي، فلبنان هو البلد القادر أن يقول إنّ التنوّع ليس سبباً للحروب. وهنا لا أتكلّم عن سوريا والعراق، بل وصولاً إلى أوروبا حيث "اليمين" المتطرف على قاعدة رفض الآخر.

واليوم كلّ النقاش دائر حول كيفية التوصّل إلى نموذج "العيش المشترك"، ويجب أن نكون أهلاً لذلك. أليس من المفروض أن يفكّر لبنان، بمسلميه وبمسيحييه، بالاعتدال الإسلامي وكيفية تطويره؟ وللتذكير فقط، إنّ النهضة العربية أقيمت على أكتافنا وأكتافهم (المسلمين) بالوقت عينه، وكنّا نحن من أوّل المبادرين.

وهذه التجربة غنية جدّاً، وأكثرية المفكرين كانوا في تلك المرحلة من الزمن من المسيحيين. في العام 43، ساعد المسلمون والمسيحيون بعضهم بعضا ضدّ بيئاتهم، إذ كانت هناك بيئة إسلامية وأخرى مسيحية رافضة للاستقلال، وقد أدّى التواطؤ الإيجابي إلى ولادة الميثاق الوطني. والمطلوب اليوم تواطؤ إسلامي

– مسيحي ضدّ المضرّين بمصالح المسيحيين والمسلمين.

* هل ستكون لحظة سقوط النظام السوري لحظة مؤاتية للسلام اللبناني؟

- طبعاً، يجب أن نكون على أتمّ الجهوزية لهذه اللحظة، إذ يجب التفكير في مرحلة ما بعد سقوط النظام السوري.

* هل تتوقع انتهاء الحالة العونية مع سقوط النظام؟

- بالتأكيد. رهانه الأول كان على نظام بعثي عراقي، وانتهى معه لمدة 15 سنة، وهذه المرة رهانه الثاني على النظام البعثي الثاني.

* هل تتوقع مع سقوط النظام انخراط الطائفة الشيعية بالمشروع اللبناني؟

- أنا متفاجئ بنوعية النقاش الدائر في الوسط الشيعي والذي يدلّ على حجم الوعي داخل هذه البيئة، وما أتوقّعه هو عودتها إلى المشروع اللبناني وليس انخراطها. فمراهنة الشيعة على إيران ما هي إلّا لحظة في الصراع.

* وماذا عن سلاح "حزب الله"؟

- مع سقوط النظام، لن يعود لسلاح حزب الله أي تبرير. إنّ استخدام هذا السلاح ضد إسرائيل غير ممكن، واستخدامه في الداخل مستحيل. قد يعتبره حزب الله مادّة للتفاوض، إلّا أنّ هذا السلاح سيشكّل عبئاً عليه لأنّه يضعه خارج الشرعية اللبنانية والعربية والدولية. كما انّه يفتح مجالاً لبروز كلّ مظاهر التحوّل الميليشياوي في وسطه، ما يتسبّب له بأزمة مع الجمهور الشيعي. وبالتالي، إنّ سقوط النظام ينهيه.

* البعض يقول إنّ 14 آذار فوّتت فرصة انسحاب الجيش السوري من أجل العبور إلى الدولة، فهل هناك خشية من تفويت فرصة سقوط النظام للعبور إلى الدولة؟

- لحظة 14 آذار 2005 كانت قصيرة جدّاً، إذ بدأت بعدها الثورة المضادة، والخطوة الأولى في هذا المجال تمثلت بانقلاب العماد ميشال عون، وبعدها فوراً بدأت الاغتيالات وبالتالي هذه اللحظة حقّقت جزءاً من أهدافنا ألا وهي خروج الجيش السوري، وحققت أمراً آخر لم تكن واعية له، ويتمثل بكونها أطلقت الشرارة الأولى للربيع العربي. ولكنّها فوتت من دون شكّ الفرص لحسم الوضع، إنّما هذا الوضع لا يحتمل اليوم تفويت الفرص، لأنّ الدولة، ونتيجة سنوات الصراع، غائبة والمؤسسات كلّها تراجعت وانهارت. لذا نحتاج إلى عملية إنقاذ للدولة قبل الشروع في تطويرها في اتّجاه بناء دولة مدنية حديثة حضارية وعصرية.

* هل 14 آذار معنيّة في طرح مشروع إنقاذي لِلمّ شمل البلد؟

- إذا لم تكن معنية بهذا الموضوع فذلك يعني أنّ نهايتها وشيكة. يجب أن تكون هناك مبادرات لتهيئة هذا المشروع. في العام 1958، أطلق الرئيس صائب سلام شعار "لا غالب ولا مغلوب"، اليوم يجب أن يكون شعارنا "لا طائفة غالبة ولا طائفة مغلوبة"، الدولة هي الغالب الوحيد، لأنّنا لن نسلم من المخاطر جرّاء سقوط النظام، الذي يجب أن نؤشّر له من الآن فصاعداً، وعدم تفويت هذه الفرصة التاريخية التي لن تتكرّر وإذا فوّتناها هذه المرة، سنكون على هامش هذا التاريخ الذي يُكتب اليوم.

* ما هو تعليقك على طرح السيد نصرالله "المؤتمر التأسيسي"؟

- هو نوع من الالتفاف على الطائف، ومحاولة للقول "إنّنا نضع سلاحنا لتحسين شروط وجودنا بالسلطة". وهذا كلّه كلام لا يؤدي إلى مكان.
 




إطبع     أرسل إلى صديق


عودة إلى أرشيف حوار       عودة إلى الأعلى


2024 حركة التجدد الديمقراطي. جميع الحقوق محفوظة. Best Viewed in IE7+, FF1+, Opr7 تصميم: