آخر تحديث: الاثنين 9 تشرين الثاني 2020 - 02:16 PM إتصل بنا . خريطة الموقع . ابحث:




أرشيف

أخبار التجدد حوار مختارات أخبار يومية

برهان غليون لـ"المستقبل": لا أحد يستطيع بعد اليوم حكم سوريا الا بالانتقال
نحو نظام ديموقراطي يقر حقوق الشعب وليس حقوق الطوائف

الجمعة 13 كانون الأول 2013

1000 يوم من عمر الثورة السورية. ألف يوم من الكفاح المرير للشعب السوري على يد نظام سياسي يتصرف كمافيا أكثر من حكم سياسي.
ألف يوم تعني مجازر بالجملة، تعني نجاحات للثورة والمعارضة السورية في بدايات حركتها السلمية وفراغاً قانونياً وسياسياً وأخلاقياً في مجال العلاقات الدولية وإخفاقاً عالمياً يستهدف إبقاء الشعب السوري تحت الحصار والعنف والقتل.
رئيس المجلس الوطني السابق، وعضو الائتلاف السوري أستاذ علم الاجتماع في جامعة السوربون الدكتور برهان غليون وفي حوار شامل مع "المستقبل" تحدث عن بدايات الثورة ومسارها، وتعقيدات المشهد الحالي الداخلي والخارجي مع اقتراب موعد انعقاد جنيف2، مؤكداً على أهمية المشاركة في جنيف2 والاستفادة من فرصة متاحة من أجل تعزيز موقع المعارضة عملاً ببند رئيس لا شريك له وهو تطبيق مقررات جنيف1، وإحالة الأسد وزبانيته إلى المحكمة الجنائية الدولية. هنا نص الحوار:

[ 1000 يوم في عمر الثورة السورية ماذا يعني ذلك، أنتم الذين شغلتم رئاسة المجلس الوطني السوري في مراحل التأسيس الأولى؟
ـ ألف يوم في عمر الثورة السورية، ألف يوم من الكفاح المرير الأسطوري والبطولي للشعب السوري، الشعب الذي أهين وأذل على مدى نصف قرن من قبل النظام، هو عصابة من القتلة، أكثر مما هو نظام وحكم. وهو نظام مافيا أكثر منه حكم سياسي. ألف يوم تعني مجازر بالجملة وقتلاً يومياً منظماً مع سبق الإصرار لشعب كريم لأنه حلم بأن يصبح شعباً حراً.
1000 يوم من الجرائم والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في بلد اسمه سوريا أمام عطالة لم يسبق لها مثيل لعالم يدّعي أنه دخل في عصر حقوق الإنسان والديموقراطية. نظام دولي يتفرج على مأساة الشعب السوري.
1000 يوم في عمر الثورة السورية يعني انكشاف الفراغ القانوني والسياسي والأخلاقي في مجال العلاقات الدولية وحيث تحول هذا النظام الدولي الإنساني إلى غابة يحكمها قانون القوة والعنف والوحشية. ألف يوم تحول الشعب السوري خلالها إلى شاهد على سقوط معنى الإنسانية.
[ كان لافتاً سرعة اتخاذ مجلس الأمن في الأيام الماضية قراره بمساعدة الفرنسيين بالتدخل في وسط أفريقيا لوقف المجازر التي ذهب ضحيتها المئات، والمفارقة أنه حتى الآن لم يتوصل مجلس الأمن إلى قرار بالحسم لوقف المجزرة بحق الشعب السوري؟
ـ السبب أنه ليس هناك نظام دولي قانوني وسياسي حقيقي وإنما الكيل بمكيالين وفقاً لمصالح الأقوى وما يمليه اتفاق المصالح الدولية. كأن الشعب السوري لا يستحق الحماية كما تشير مواثيق الأمم المتحدة لأن حمايته لا تتماشى مع مصالح دول إقليمية وعالمية وقوى عظمى. وهذا ما مكن الشعب السوري بأن يفكر عن حق بأن هناك مؤامرة ضد سوريا الشعب والوطن تستهدف إبقاء هذا الشعب تحت الحصار والضرب والعنف وتدمير الحضارة السورية ومدنيتها لحساب المشاريع الإمبراطورية الإقليمية والدولية.
[ لا يجب أن تُقاس الأمور بالمقاربة السياسية بالتوقعات لكن الأمور بعد ألف يوم لا تُقاس بأحلام المرحلة الأولى وفترة رئاستكم للمجلس الوطني عكست نضال مرحلة أولى مهمة لا تُقاس بالمرحلة الحالية من حيث الإرباك وحجم لا يستهان به من الإخفاقات والتوقعات المتأرجحة بين الشك واليقين؟
ـ نعم، الفترة الأولى من عمر المعارضة السورية هي الفترة التي استقطبت فيها الثورة السورية انتباه العالم، ونالت الكثير من الدعم والتقدير بسبب الكفاح البطولي للشعب السوري وصمود الشباب والصبابا السوريين في المظاهرات السلمية ضد أجهزة أمن النظام المخابراتية السيئة السمعة ووحشيتها. وكذلك بسبب وجود معارضة ذات مصداقية، لو لم تكن قد أضاعت بعض مصداقيتها بالمهاترات والصراع على الكراسي والانقسامات الإيديولوجية والسياسية غير المفهومة وغير المبررة. في تلك الفترة حققنا فعلاً اختراقات مهمة سياسية وشعبية. سياسياً انتزعنا، على الرغم من المعارضة السورية، ثلاثة قرارات من مجلس الأمن تدين استخدام العنف الموجه من قبل النظام ضد الشعب، بالتأكيد لم تصل الأمور لتقديم الحماية لشعبنا. وانتزعنا قراراً من الجمعية العامة، وكان من الممكن الاستفادة منه للدفع نحو عمل دولي من خارج مجلس الأمن اعتماداً على مبدأ "اتحاد من أجل السلام" عندما يعطل عمل مجلس الأمن. ومن أجل هذا دفعنا نحو تشكيل تجمع أصدقاء سوريا أثناء وجودي في رئاسة المجلس، كي تكون لدينا قاعدة دولية للدعم السياسي والمادي وإطاراً دولياً للاستفادة منه للالتفاف على الفيتو الروسي في مجلس الأمن، وفي كل تلك الفترة وجهت إلينا دعوات ما كان حتى ممكناً تلبيتها. لم نكن قادرين على زيارة الصين واليابان وروسيا وجميع الدول الأوروبية.
كانت آمالنا كثيرة بأن ندفع العالم إلى نجدتنا والاصطفاف وراء معركة الشعب السوري والاستفادة من هذا العالم من أجل نزع الشرعية كاملة عن النظام المجرم والإسراع في نقل سوريا نحو حقبة جديدة، نحو سوريا ديموقراطية. لكن أنا أعتقد أن نزاعاتنا الداخلية من جهة وأوهام بعضنا بتدخل أجنبي عسكري لم يكن له أي حظوظ في الحصول من جهة أخرى. كل ذلك أتاح لخصومنا تشكيل سريع لحلف شرير ضدنا جمع بين النظام والجمهورية الإيرانية وروسيا. هذا الحلف نجح في سحب البساط من تحت أقدامنا على الصعيد السياسي والدولي.. للأسف كنا مستمرين في نزاعات لا قيمة لها في ما بيننا بين من يؤيد التدخل وبين من لا يؤيده ومن يؤيد هذا الرئيس في المجلس وبين من لا يريده، وبين من يريد تحويل الثورة باتجاه إيديولوجي أو ذاك. تفرقت سبلنا فيما توحدت سبل أعدائنا، وانتقلنا سريعاً من فترة صعود وكسب للمواقع وتقدم على الساحة الدولية إلى مرحلة المحافظة على المكاسب بنهاية المجلس الوطني. ثم إلى التراجع الدائم في مرحلة ثالثة. لكن لا يمكن تفهم كل ما حصل من دون التصعيد المستمر في العنف الذي مارسه النظام ضد الشعب والاختراقات المنظمة لصفوفنا وغياب نوع من أنواع اليقظة عند قادة المعارضة والذين تركوا أنفسهم يغرقون في نقاشات بيزنطية لا قيمة فعلية لها بحسابات النزاع الجاري اليوم.
[ من مثل النقاشات الدائرة اليوم في صفوف المعارضة والتي لم يتفق فيها إلى الآن على المشاركة من عدمها في جنيف2؟
ـ ما زال هذا النوع من النقاشات السلبية واضحاً في ما يتعلق بمؤتمر جنيف2 والذي لا يزال يقسم المعارضة بين من يراهن على جنيف2 وبين من يرفض المشاركة في جنيف2، بين من يؤيد المشاركة وبين من يرفض المشاركة، بينما جوهر الصراع هو الوضع الميداني على الأرض.. بمعنى أن دخولنا إلى جنيف2 أو عدم حضورنا ينبغي أن يرتبط بما نقدمه للوضع الميداني وتقدم عمل مقاتلي الحرية في مواجهة الحلف المدّنس العدواني.
[ وهل انتهى النقاش إلى التأكيد على مستوى المشاركة في 22/1/2014 في جنيف2؟
ـ أعتقد أننا أخطأنا حين دخلنا في النقاش حول المشاركة أو عدمها.. المفروض طرح الموضوع بصيغة أخرى، وهو كيف نستفيد من الفرصة التي أتاحتها الدول الراعية من أجل تعزيز موقفنا السياسي العسكري وفي المشاركة السياسية.
[ برأيكم جنيف2 قائم في موعده؟
ـ أعتقد ذلك، قد يجري التأجيل قليلاً عن الموعد المقرر، لكن أعتقد أن المسار قائم والاتفاق الأميركي الروسي قائم، وأنا أعتقد أن هدفنا أن نستفيد من جنيف2 ومن أي فرصة تتاح لنا للتواصل مع الرأي العام الدولي ولشرح قضيتنا واستعادة مصداقيتنا كطرح أساسي مسؤول عن حقن دماء الشعب السوري ووقف المجزرة والدمار الذي يصيب بلدنا ومجتمعنا، على الرغم من أنني على اقتناع بأن فرص الحل السياسي غير موجودة على الإطلاق، إنما لا ينبغي أن نعطي انتصاراً سهلاً لخصومنا.
[ أفهم من كلامكم أن العملية السياسية لا يجب أن تتوقف على التوقعات وقد تكون سلبية، وقرار المشاركة في جنيف2 هدفه وقف معاناة الشعب السوري ووقف القتل والدمار تطبيقاً لبنود اتفاق جنيف1؟
ـ إذا كانت هناك مشاركة ولا يزال النقاش دائراً، لكن برأيي الهدف يجب أن يتركز على تطبيق جنيف1 وليس توقع التوصل إلى تسوية سياسية ليس لديها أي فرصة في النجاح مع رفض الطرف الآخر لأي تسوية سلمية وليس لديه أي رغبة أو إرادة في وقف سياسة الحرب والإرهاب ضد شعبه. ينبغي أن يكون هدفنا من المشاركة فضح الجرائم ضد الإنسانية وحرب الإبادة الجماعية التي يخوضها النظام والتي لا مثيل لها بالعالم مطلقاً، وإظهار نتائج هذه الحرب في شهادات أبنائنا، وصور المجازر والمعتقلات ومجتمعات الشتات وكل سلوكيات النظام المستمر منذ خمسين عاماً في إبادته الجسد الإنساني السوري، وإظهار كل ذلك إلى العالم والرأي العام العالمي الذي يعتقد أنه بالإمكان إنجاز تسوية سياسية مع هذا النظام.
ينبغي استغلال الفرصة، أي فرصة لفضح حقيقة هذا النظام وتعريته أمام المجتمع الدولي وإحراج هذا الأخير الذي ينتهك حقوق الإنسان والحريات. هذا النظام السوري الذي يظهر نفسه السدّ المنيع أمام قوى التطرف الديني في الوقت الذي اخترع فيه قوى التطرف الديني وتجاوز بتطرفه كل حدود الممكن، وكان هو المحرّض الرئيس لهذا العنف المضاد الذي يخشى منه العالم. ينبغي أن يكون هدفنا استعادة المعارضة والثورة لصورتها الحقيقية التي شوّهتها دعاية النظام وحلفائه، واستعادة المصداقية لعمل المعارضة بوصفها الطرف المسؤول والمدافع عن مصالح الشعب السوري وأحلامه بالخروج من نظام القتل إلى نظام يحفظ إنسانية الإنسان.
لمثل هذه الأهداف يجب أن يكرّس أي اجتماع دولي يمكن أن يتم في إدارة الأزمة السورية التي يرفض النظام الجائر أي حلٍ لها بغير العنف والقتل والقمع والتدمير.
[ ماذا عن مرحلة ما بعد 22/1/2014، أي مرحلة ما بعد جنيف2، ويقال إن عنوان هذه المرحلة الانتقالية وباتفاق روسي أميركي "تطمين الأقليات في سوريا" والإبقاء بطريقة ما على النظام من دون الأسد؟
ـ عندما نتحدث عن النظام يجب أن نحدد ما نقصده، هل هو بشار الأسد وزبانيته، هل هو الطغمة العسكرية والأمنية، هل هو طائفة موحدة يمكن أن تستهدف؟ أنا برأيي النظام المقصود هو طريقة الحكم والنظام السوري ليس بشار الأسد أو الطغمة، هؤلاء أدوات قائمة على قهر الشعب بأجهزة المخابرات والسجون وإخضاعه على طريقة تهديد الشعب وابتزازه وإهانته يومياً.
لا يمكن أن تكون هناك تسوية مع حكم المخابرات ومع العنف والمذلّة، ومع هكذا حكم ثار ضده الشعب السوري وقاتل من أجل إزالته وضحى بمئات الآلاف من الشهداء والجرحى والمعوقين والمعتقلين وملايين اللاجئين في الشتات. هذا النظام ينبغي أن يزول نهائياً، مع كل أدواته ورموزه وممثليه ومع كل عناصر قيادته وإدارته ومع من أداره واستخدمه هذا النظام لقهر الشعب. ما يعني أن إزالة النظام تستدعي الأسرة الحاكمة، ولكن مع من تعاون وشارك في قيادة هذه الآلة الجهنمية والتي اسمها نظام الأسد والموجهة ضد الشعب السوري. هذا لا يمس العناصر أو الأشخاص الذين شغلوا مناصب في الدولة ولا يمس أي طائفة أو أي فئة اجتماعية، فقط يمس نظام القهر والمسؤولين من النظام الذي حوّل الشعب طوال الوقت إلى ضحايا طيلة نصف قرن.
لن يكون هناك اجتثاث لحزب أو طبقة أو طرف من أطراف الشعب السوري ومن بينهم موظفون في الدولة كانوا ضحايا هذا النظام وبما فيها الطائفة التي كانت ضحية لهذه الآلة الجهنمية واستخدمت وقوداً لحرب طاحنة لا مصلحة لأحد فيها إلا هذه الطغمة الإجرامية.
[ واضح أن النظام سيحمل إلى جنيف2 ما يعرف أنه يرضي الغرب، ادعاءه أنه يحارب الإرهاب ويعزز شرعيته بها؟
ـ لا أعتقد أن نظام الأسد الإجرامي يمكن أن يستعيد مصداقيته بالحرب على الإرهاب، في الوقت الذي أعطى العالم مثالاً أعلى على الإرهاب بحق مواطنيه وجيرانه بالقتل والعنف والإرهاب واستخدم الجماعات الإرهابية نفسها من أجل إزاحة ثورة الشعب عن أهدافها والتغطية على حقيقة أهدافه الإجرامية.
أصلاً لدى العديد من أجهزة المخابرات الغربية الكثير من الوثائق عن موجودات خزائن النظام الأسدي وسبق لأجهزة كثيرة أميركية وأوروبية أن اختبرت عنف هذا النظام وهي على معرفة بأنه أكبر سجن للتعذيب في العالم وعلى معرفة بمن عبر من أوروبا إلى سجونه، وهم يعرفون جيداً تاريخ هذا النظام وفي استغلاله المزدوج الإرهاب من أجل الإبقاء على شرعيته الدولية للتغطية على مجازره بحق شعبه. الغرب يعرف من نظم الإرهاب في العراق ومن استخدمه في بلدان عربية عدة والغرب يعرف جرائمه بحق الفلسطيني واللبناني وما مارسه وما زال يمارسه في لبنان وإذا كان الغرب على غير دراية بذلك فالعالم في مصيبة كبرى. أو أنه يدري ولا يريد أن يقوم بشيء من أجل كرامة وحقوق الإنسان العربي.
[ على ذكر الإرهاب من هي داعش؟
ـ كانت موجودة في العراق ويُقال إن جذورها كانت في إيران أيضاً قبل أن تعلن وجودها في سوريا وهي مرتبطة بالقاعدة وهي تابعة لها، ولا أحد يعرف بالضبط مدى الاختراقات في هذه المنطقة سواء من قبل النظام السوري، الذي أطلق العديد من المهتمين بالتطرف الإسلامي منذ العام 2011، ولا من قبل العراق الذي أطلق أكثر من 1000 عنصر من سجن أبو غريب.
[ جذور "داعش" إيرانية؟
ـ ربما لديها جذور إيرانية، حسب شهادات المقاتلين لا يبدو أن إيران بعيدة عما تقوم به داعش في بعض المناطق.. نحن نتحدث عن القاعدة، مجموعة من الشعب والمقاتلين الذين تحركهم العقيدة في العراق وإيران وسوريا وربما دول عربية أخرى.
[ وما الذي تقوم به داعش فعلياً على الأرض؟
ـ تحرير الأراضي التي سبق وحررها الجيش السوري الحر خدمة للنظام، وإلا كيف نفسر أن النظام لم يقصف في أي يوم قواعد لداعش وأن الأخيرة لا تهتم كثيراً بمواجهات مع قوات النظام، وإنما تسعى إلى احتلال المواقع التي يحررها الجيش الحر وتتنافس على بسط سيطرتها على هذه المناطق. بجميع الأحوال يبقى أن يكون واضحاً لدى جميع السوريين والعرب أن دور داعش يختلف كلياً عن مشروع الثوار السوريين الذين أطلقوا حركة الاحتجاج في مدن سوريا من آذار 2011. مشروع داعش هو جهادٌ مستمر ضد الكفر، من يعتقدون أنهم كفرة وضد الغرب انتقاماً منه على سياساته في أفغانستان وغيرها. وداعش تشكل من حلف إمارات مؤمنة هنا أو هناك لا تأخذ في الاعتبار لا مصالح شعب ولا مفهوم وطن ولا مفهوم الفرد ولا مفهوم القانون أو المواطنة أو مفهوم المساواة في الحقوق والواجبات، بينما يقوم مشروع الثورة السورية على إسقاط النظام وتعليق قانون القتل والازدراء والاعتقال والأحكام الاستهانية وانتهاك حقوق المواطنة وإهانة المواطن وإقامة نظام ديموقراطي تعددي يضمن الحقوق الإنسانية للجميع من دون تمييز ومشروع الثورة السورية يدافع عن سوريا واستقلالها وسيادتها وطناً حراً لشعب من الأحرار لا يحكم اختيار أي فرد منه إلا ضميره الوطني ومفهوم الحق والواجب وحكم القانون. إذاً مشروعان متناقضان لا علاقة لأي منهما بالآخر، بل مشروعان متنافيان ومتناقضان وهذا التناقض يمتد إلى من يقف خلف القاعدة ومن يمولها أو يستخدمها.
[ الكلام عن الحرية والعدالة والمساواة ونبذ العنف كمشروع الثورة السورية يتلاقى مع خطاب العقد الإنساني والطبيعي الذي لا يقوم على الإقصاء والإلغاء والتقسيمات الانتقائية وعلى الحرية والتسامح والغفران، الأمر الذي يتناقض مع الإمارات العقائدية والإيديولوجية على نحو ما برز من خطاب الرئيس الأميركي أوباما في وداع نلسون مانديلا وتطلع العامل كله إلى عالم جديد، لماذا لا يشمل الأمر سوريا؟
ـ إذا كان مانديلا القائد البصير الذي أراد أن ينقذ وطنه، جنوب إفريقيا، من حرب مدمرة بمد يده إلى جلاديه والتفكير بإقامة وطن مشترك، من دون تمييز فإن "نظام الأسد" هو رمز للنظام الكذّاب، الذي عمل كل شيء من أجل تدمير وطنه وتقسيم شعبه وإحياء كل الأحقاد والمشاعر السلبية، صورة سلبية لما جرى في جنوب إفريقيا، وصورة عن الرهانات الخاطئة، الذي هدف منها إلى أن يضع العالم في دوامة ليظهر نفسه "سيّد الوطن والشعب والبلاد". نجح مانديلا لأنه وجد أمامه حتى لدى المحتل العنصري من يمد يده ويسلّم بضرورة تسليم نقل السلطة للأكثرية السوداء التي كان يحتقرها طيلة خمسة قرون وبادروا بالاعتذار عن الجرائم التي ارتكبوها من أجل مصالحة وطنية أنقذت البلاد بالفعل من حرب مستمرة.. وفشلنا نحن لأن يد الشعب الممدودة منذ البداية لنظام القتلة، الذي بدل أن يمد يداً إلى الطرف الآخر، ذهب إلى قطع هذه اليد بالسيف.
[ برأيك لو كان الأسد الأب موجوداً في خضم هذه الثورة هل كان يتصرف على النحو الذي تصرف به ابنه؟
ـ لا أعتقد أن هناك من يمكن أن يبز بشار الأسد حماقة بين جميع من حكموا سوريا وفي كل بلاد العالم ما قام به من قتل وتدمير لبلده وناسه ويريد أن يستمر في حكمه يكاد لا يصدقُه عقل. لكن نموذج سياسة هذا الأحمق أوجده والده حافظ الأسد وأنصاره منذ أن وضع الأسد الأب أسس نظام القهر والإذلال والتنكيل منذ العام 1970، وكان مثاله التطبيقي ما حصل في حماة ولا يكاد يختلف عما نعيشه اليوم إلا في التعميم والاستمرار. هذه سياسة العنف والقتل والاستهتار بالفرد والقانون والقيم الإنسانية والعسف كانت من أسس بناء النظام القائم.
[ أليس المفترض أن تأخذ هذه الأمور على فظاعتها طريقها إلى المحكمة الجنائية الدولية للتقرير في أحكامها ومنعاً لقراراتها؟
ـ أنا نصحت الوفد الذي سيحضر إلى جنيف أن لا يتحدث عن أي شيء آخر بالسياسة غير إحالة بشار الأسد على المحكمة الجنائية الدولية، هذا أول بند في الجدول الأساسي، إضافة إلى الأمور الإنسانية. هذا مدخل أساس لنزع شرعية هذا النظام إنسانياً وعالمياً.. وكسر آلة القتل الجهنمية بشرط تصالح السوريين، كسر هذا النظام وإزالته من الوجود تمهيداً لعودة التفاهم بين السوريين وتجاوز الماضي والتفكير بالمستقبل المشترك. في جنوب أفريقيا ربما كان الأمر قياساً عما يجري مع نظام الأسد أقل تعقيداً. توافر لجنوب أفريقيا زعيم حقيقي معارض ويحمل رؤيا، في سوريا النظام صحّر سوريا وسحق شعبه ونخبه والمعارضة على مدى خمسين عاماً ويكفي أن تطلب من كل مواطن سوري في لحظة وطنية أن يحمل روح مانديلا ويفكر بالمستقبل. فممارسة القتل والعنف والإقصاء والتمييز مستمرة والمواطن السوري يخوض معركة وجودية وهو لا يفكر إلا بالدفاع عن نفسه وقيمه وعقائده ومستقبله.
[ كأستاذ علم الاجتماع في جامعة السوربون كيف ترى مسألة إعادة بناء النسيج الاجتماعي في سوريا، والبعض يعتقد أن المسألة في هذا الإطار أصعب من إعادة بناء النسيج السياسي؟
ـ لهذا السبب أقترح أن تحمل إلى جنيف2 بنداً رئيسياً لا شريك له هو المطالبة بمحاكمة بشار الأسد وأعوانه المسؤولين عن تدمير سوريا وإحالة المرتكبين وكل من قتل بغير ذنب ومن دون حق.
[ يبدو أن لدى النظام خطة (أ) وخطة (ب) في حال توصل المجتمعون في جنيف2 الى إحراجه بتسوية سلمية لا يكون فيها شريكاً في المرحلة الانتقالية هي إحالة ما يتم الاتفاق عليه إلى استفتاء عام. من يشارك في هذا الاستفتاء من بالداخل فقط أم من في الخارج؟
ـ هذا كلام، أي كلام يخترعه النظام. كل يوم يخترع قصة من أجل الهروب إلى الأمام، هو يهرب من استحقاق جنيف الذي يدعو إلى نهاية النظام وتشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات بما فيها صلاحيات الرئيس وأجهزة الأمن والجيش للإعداد للانتقال إلى النظام الديموقراطي هو في سياق تمرين ذهني عن استفتاء يجريه بما يشبه الاستفتاء في الصحراء المغربية، بين من هو صحراوي ومن هو غير صحراوي والأمر قد يستغرق ثلاثين عاماً ولم يصل بين المغرب والجزائر إلى حل.. ما يقوله الأسد مجرد كلام.. ليس هناك استفتاء ولا نقاش بهذا الشأن مع النظام. النقاش الجدي في جنيف هو كيفية تشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحية تستبعد الأسد من أجل إعداد الانتخابات لإنهاء حزب الأسد قانوناً وليست تصريحات الأسد ووزير خارجيته سوى استفزاز للمعارضة لكي لا تذهب إلى جنيف2 في الوقت الذي يدفع النظام الحل العسكري إلى الذروة ولم يتوقف يوماً واحداً عن قتل الشعب. كل الألاعيب التي يمارسها الأسد إن دلت على شيء، فإنها تدل على أنه نظام غير جدي وطروحاته لم تعد تستحق النقاش.
[ كيف قرأت تصريحات وزير الدفاع البريطاني هيغ عن الخشية من تفتيت سوريا؟ هل هو ردّ على ما قاله السفير الفرنسي أم ضغط على طرفي الأزمة للذهاب إلى جنيف2؟
ـ هيغ واع لنتائج العنف المستمر وعمق الشروخات التي تدفع بها سياسة العنف عند النظام في البلاد وأنا أعتقد أن ما قصده مخاطر كبرى موجودة على الأرض، ومن الصعوبة لملمة البلاد التي صارت تخضع لإمارات وسلطات وميليشيات غير متفاهمة ووظيفتنا جميعاً كسوريين وليس فقط المعارضة أن نضغط لتوحيد القوى المقاتلة وإخضاعها لعقد وطني مشترك من أجل مقاومة آلية الانشقاق والتفكك الذي يدفع له عنف النظام وحلفائه. والحل هو بناء القوات المقاتلة على أسس جديدة مع قيادة مركزية وضبط كل الفصائل التي تخرج عن العهد الوطني. فوضى العنف تضع الأقليات في أسوأ وضع أمام الأكثرية وينزع عن الأقليات وطنيتها ومشاركتهم في وطن واحد ودولة ديموقراطية. وهذا هو جوهر التفكيك الذي يتحدث عنه هيغ وآخرون.
[ وهل يمكن للجماعات المتطرفة أن تحكم سوريا؟
ـ مطلقاً، ليس أمام أي جماعات متطرفة أي فرصة لحكم سوريا.. ما من أحد بما فيه النظام يستطيع بعد اليوم حكم سوريا إذا لم يتمكن الانتقال نحو نظام جديد يقر بحقوق الشعب السوري، وليس حقوق الطوائف. نظام جديد مصدر سلطته إرادة الناس، وإلا ستبقى سوريا في فوضى ولن يستقيم أي نظام بدون قاعدة جديدة ترضي الجميع هي المساواة في الحقوق في نظام ديموقراطي/ تعددي ولن يقوم أي نظام مقبل مبني على التمييز الطائفي أو العرقي أو السياسي. المساواة، ثم المساواة قاعدة لبناء العقد الوطني الجديد في سوريا تحل محل قاعدة أرساها النظام منذ خمسين عاماً تقوم على القتل والتعذيب والإلغاء.
[ مسؤولية بقاء النظام هل تعود إلى حلفائه وإلى دور حزب الله تحديداً بمشاركته إلى جانب النظام بالقتال في سوريا، أم مسؤولية الغرب ككل؟
ـ قضى حزب الله على مصداقيته ومستقبله بدخوله إلى سوريا وإظهاره أنه أداة بيد النظام الإيراني والمشروع الإمبراطوري الإيراني. في المقابل ما كان من الممكن أن يبقى النظام لو سحب الغرب البساط من تحت أقدامه. لن يبقى النظام يوماً واحداً إذا ما قرر الغرب أن يزيحه. لكن هذا النظام يلائمه، لأنه يقوم بالوظائف التي كان يقوم فيها.
[ وماذا عن قصة المسيحيين في سوريا؟
ـ لعب النظام منذ البداية ومن أول الثورة على استراتيجية دفع البلاد نحو مواجهة طائفية وفصلها بشكل مفضوح عندما كلف ميشال سماحة بوضع قنابل داخل الكنائس ليقول للعالم الغربي إنه حامي الأقليات. النظام يبحث عن وضع المسيحيين ضد المسلمين من أجل خلق مبرر لوجوده، وما جرى مع المطارنة والراهبات وحتى لو كان من قبل داعش في الخطوط المتداخلة هدفه أن النظام وبعدما فقد شرعيته يريد أن يقدم خدمات بأنه حامي الأقليات في المنطقة، وبخاصة الأقليات المسيحية. لكن أعتقد أن العالم اليوم أكثر وعياً والنظام الذي أعطى قنابل لميشال سماحة ليضعها في الكنائس قادر أن يضع تفجيراته في كنائس سوريا.
وهو قام إلى الآن بتدمير وقصف أكثر من 40 كنيسة وأكثر من 1200 مسجد وما جرى مع المطرانين ومع الراهبات هو بمعرفة تامة من قبل الاستخبارات العالمية ومن ضمن استراتيجيات النظام لزرع الفتنة.

الدوحة ـ يقظان التقي

 




إطبع     أرسل إلى صديق


عودة إلى أرشيف حوار       عودة إلى الأعلى


2024 حركة التجدد الديمقراطي. جميع الحقوق محفوظة. Best Viewed in IE7+, FF1+, Opr7 تصميم: