آخر تحديث: الاثنين 9 تشرين الثاني 2020 - 02:16 PM إتصل بنا . خريطة الموقع . ابحث:




أخبار التجدد

نسيب لحود رجل "الوسطية" الفاخرة الجودة – نسيب لحود وأسى الرحيل - فارس خشان (موقع يقال.نت)

السبت 4 شباط 2012

بوفاة نسيب لحود، لم ينطفئ نجم سياسي، بل غفت قيمة سياسية وغابت قامة وطنية!

دخل هذا الرجل النزيه الى الحلبة السياسية ، في الزمن الخطأ، وغادر الحياة في الزمن الخطأ: الجنون الذي يعصف ببلادنا همّش أصحاب العقول. العاطفة الطائفية التي تعصف في كياننا كسّرت أجنحة الإعتدال. ولعبة المصالح التي تجمع الى طاولتها كل المقامرين بدّدت كل قيم النزاهة!

كثيرون لم تربطهم وشائج المودة بنسيب لحود، ولكن هؤلاء كانوا يدينون له بالإحترام.

لم تلطخ سيرة نسيب لحود السياسية أي علامة سوداء. لم يكن إصلاحيا بالشعار بل كان كذلك بالممارسة، فهو من قلة نجحت في فصل الخاص عن العام. يوم قرر أن يفصل العمل السياسي عن المصالح، أوقف كل أعماله في لبنان، وتحوّلت المكاتب التي كان منها يدير شركته الهندسية الكبرى الى مكاتب لعمله السياسي.

بحث نسيب لحود عن النخب، وأحاط نفسه بها، وحاول معها أن يكوّن تيارا سياسيا مسيحيا، عابرا للعواطف وعابرا للمخاوف، وعابرا للطوائف!

لم يبق طرف سياسي إلا واستاء من نسيب لحود، فهو كان ينتمي الى “الوسطية” الفاخرة الجودة. وسطية تؤمن بذاتها، وليس ” وسطية “مزيّفة تتلوّن بلون المصلحة !

عمل بكل ما أوتي من قوة لاستقلال لبنان. كان رائدا في فتح كل الأبواب التي تسمح بدخول رياح الإستقلال والسيادة والقرار الحر.

سجلّ اسمه بأحرف من ذهب على كل لوائح الشرف.

كان يتعب نفسه في التفتيش عن الكلمة الراقية والواضحة في آن.

كانت خطاباته أنيقة. كانت سلوكياته السياسية سوية.

في العام 2009، أدرك أن صراع الأحجام في الفريق الواحد، أنهى الشعارات الوطنية المرفوعة، فرمى ترشيحه بوجه الجميع وغادر الحلبة النيابية كإشارة الى مغادرته لحياة سياسية… عاقر!

كان كل ما يقوم به يشبهه.

تعرفت على نسيب لحود، منذ 15 سنة.

كان رجلا يكثر من طرح الأسئلة ويستمع بتمعّن.

كان رجلا يشارك الآخرين في عقولهم.

كان من تلك الطينة الحكيمة، التي تعرف أن من يطلب المشورة يكبر وأن من يتحاشاها يتقزّم.

وبعدما نفاه المرض الى باريس، زرته ، مرات عدة.

كان يقاوم الآلام، حيث أطبق عليه سرطان مترافقا مع قصور في الكلى، وكان يقاوم المزاج السيء الذي يفرضه عليه العلاج !

كان متابعا لأدق التفاصيل اللبنانية. كان يطرح أسئلة تتصل بأمور مفصلية ، قلّ أن أعرتها اهتماما.

والثورة السورية فرضت نفسها على أولوياته. كان يتابعها بشغف. أشعرته أن الربيع الهارب منه يعود الى أمته.

كان يبدي إعجابه ببعض الأعمال التي يعرف أنني أقوم بها، وكان يعرف، ولو من موقع الذي تأكله هموم شبح الموت، كيف يشجعني وكيف يعطيني القدرة للوثب الى الأمام!

أذكر الكثير عن لقاءاتنا الباريسية، ولكن لا أنسى العشاء الذي جمعنا ، ليلة رأس السنة للعام 2010- 2011 في دارة نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري.

كنا الى مائدة مكاري في دارته الباريسية 12 شخصا، وعلى رأس الموجودين نسيب لحود وزوجته السيدة عبلا التي لا تهجر الإبتسامة شفتيها!

في ذاك العشاء، ساءت حالة لحود الصحية كثيرا.

قال لنا إنها تداعيات العلاج.

قرر أن يتركنا ويعود الى منزله.

أراد أن لا نستقبل العام الجديد على الأنين.

رافقه منا من رافقه وعاد ال منزله!

عندما أغلق الباب وراءه، أدركت أنني سأستيقظ في صباح ما ، على خبر سيء للغاية.

وأتى هذا الصباح، فإذا به مكفهرا كليل!

ثمة شعور بالأسى يجتاحني.

أحاول أن أحدد طبيعته.

وفاة نسيب لحود لم تصب مصالحي بأي ضرر. وفاته لن تترك آثارها السلبية على عاداتي اليومية.

إنه أسى من نوع آخر.

أسى مواطن لبناني، يرى المجانين يصعدون والحكماء يرحلون!


أرشيف    إطبع     أرسل إلى صديق     تعليق



عودة إلى أخبار التجدد       عودة إلى الأعلى


2024 حركة التجدد الديمقراطي. جميع الحقوق محفوظة. Best Viewed in IE7+, FF1+, Opr7 تصميم: