أرشيف
«التطرّف» في خيارات السوريّين - حازم صاغية (الحياة) الثلاثاء 10 تموز 2018 هل محافظة درعا، خصوصاً الذين فرّوا من الموت باتّجاه الحدود السوريّة – الإسرائيليّة، يلخّصون على نحو بليغ مأساة السوريّين.
في ذلك شيء من جحيم دانتي، لكنّه جحيم لا يليه مَطْهر ولا فردوس. سطح الأرض مغلق يستحيل الصعود إليه. الأفق مغلق يستحيل اختراقه. يلخّص هذا الوضعُ الخياراتِ المتاحة للسوريّ الذي لا يريد أكثر من أن يعيش كمواطن حرّ آمن ومحترم، له حقوقه وعليه واجباته. فهو الآن إمّا أن يعاود الخضوع لحكم يُذلّه ويضطهده ويُفقره في وقت واحد، وإمّا أن يفرّ يائساً إلى أوطان يصدّه عنصريّوها، وإمّا أن يُحسَب خائناً وعميلاً. لكنّه يستطيع أيضاً أن يحترف الكذب والمراوغة، فيغنم رضا النظام ومعه المنافع والمكرمات وربّما المنصب. بلغة أخرى: هو إمّا أن يُسلخ جلده أو أن ينسلخ عن جلده. إمّا أن تُسلخ نفسه أو أن ينسلخ عن نفسه. بعد ذاك يحدّثونك عن «داعش» والتطرّف. والتطرّف ينجم، من دون شكّ، عن أسباب كثيرة معقّدة ومتفاوتة. إلاّ أنّ العيش في المسلخ الكبير يبقى أبرز تلك الأسباب، خصوصاً حين يستحكم اليأس من مغادرة المسلخ، بعد أن تفشل محاولة هدمه على رؤوس متعهّديه. والآن، وفضلاً عن الدعم الدوليّ، يتقاطر مَن يحملون الطلاء والمسامير لترميم المسلخ وتجديده، وتحويل الدم المتجمّد على الحيطان إلى إسمنت. هذا ما يُعرف اليوم بمشروع إعادة إعمار سوريّة الذي يسيل له اللعاب. لقد أسمت «إيكونوميست» البريطانيّة، في عددها ما قبل الأخير، السوريّين «الفلسطينيّين الجدد». فهم، عندها، سيكونون شياطين المنطقة ممّن يدفعهم الظلم ونقص العدالة، مثلما دفع الفلسطينيّين قبلهم، إلى العنف والسلاح والفوضى. ربّما. لكنّ المؤكّد اليوم أنّ درعا التي كانت فاتحة الثورة لن تكون خاتمة الأحزان. فنظام الأسد يسجّل في دفتر انتقامه اسم إدلب التي تنتظر دورها. وضحايا درعا وإدلب وسواهما من المناطق السوريّة لديهم دفاترهم العديدة أيضاً، يسجّلون فيها أسماء قاتليهم، ومن يموت كثيراً مرشّح أن يُميت كثيرين. |
|||||
|